روائع مختارة | قطوف إيمانية | نور من السنة | التدوين وأثره.. في صحة الحديث

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > نور من السنة > التدوين وأثره.. في صحة الحديث


  التدوين وأثره.. في صحة الحديث
     عدد مرات المشاهدة: 2445        عدد مرات الإرسال: 0

هناك شبهة ادعاها بعض غلاة المستشرقين من قديم، وأقام بناءها على وهم فاسد، وخلاصة هذه الشبهة: 

أن الحديث بقي مائتي سنة غير مكتوب، ثم بعد هذه المدة الطويلة قرر المحدثون جمع الحديث، وصاروا يأخذون عمن سمعوا الأحاديث، فصار هؤلاء يقول الواحد منهم: 

سمعت فلاناً يقول سمعت فلاناً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن الفتنة أدت إلى ظهور الانقسامات والفرق السياسية، فقد قامت بعض الفرق بوضع أحاديث مزورة حتى تثبت أنها على الحق، وقد قام علماء السنة بدراسة أقسام الحديث ونوعوه إلى أقسام كثيرة جداً، وعلى هذا يصعب الحكم بأن هذا الحديث صحيح، أو هذا الحديث موضوع.

ويمكن إيجاز الرد هذه الشبهة من وجوه: 

1- أن تدوين الحديث قد بدأ منذ العهد الأول في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، وشمل قسماً كبيراً من الحديث.

وما يجده المطالع للكتب المؤلفة في رواة الحديث من نصوص تاريخية مبثوثة في تراجم هؤلاء الرواة، تثبت كتابتهم للحديث بصورة واسعة جداً، تدل على انتشار التدوين وكثرته البالغة.

2 - أن تصنيف الحديث على الأبواب في المصنفات والجوامع مرحلة متطورة متقدمة جداً في كتابة الحديث، وقد تم ذلك قبل سنة 200 للهجرة بكثير، فتم في أوائل القرن الثاني، بين سنة 120 ـ  130 ه ـ 

بدليل الواقع الذي بين لنا ذلك، فهناك جملة من هذه الكتب مات مصنفوها في منتصف المائة الثانية، مثل جامع معمر بن راشد(154) ، وجامع سفيان الثوري(161) ، وهشام بن حسان(148) ، وابن جريج (150) ، وغيرها كثير.

3 - أن علماء الحديث وضعوا شروطاً لقبول الحديث، تكفل نقله عبر الأجيال بأمانة وضبط، حتى يُؤدَّى كما سُمِع من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهناك شروط اشترطوها في الراوي تضمن فيه غاية الصدق والعدالة والأمانة، مع الإدراك التام لتصرفاته وتحمل المسئولية.

كما أنها تضمن فيه قوة الحفظ والضبط بصدره أو بكتابه أو بهما معاً، مما يمكنه من استحضار الحديث وأدائه كما سمعه، ويتضح ذلك من الشروط التي اشترطها المحدثون للصحيح والحسن والتي تكفل ثقة الرواة.

ثم سلامة تناقل الحديث بين حلقات الإسناد، وسلامته من القوادح الظاهرة والخفية، ودقة تطبيق المحدثين لهذه الشروط والقواعد في الحكم على الحديث بالضعف لمجرد فقد دليل على صحته، من غير أن ينتظروا قيام دليل مضاد له.

4 - أن علماء الحديث لم يكتفوا بهذا، بل وضعوا شروطاً في الرواية المكتوبة لم يتنبه لها أولئك المتطفلون، فقد اشترط المحدثون في الرواية المكتوبة شروط الحديث الصحيح، ولذلك نجد على مخطوطات الحديث تسلسل سند الكتاب من راوٍ إلى آخر حتى يبلغ مؤلفه.

ونجد عليها إثبات السماعات، وخط المؤلف أو الشيخ المسمَع الذي يروي النسخة عن نسخة المؤلف أو عن فرعها، فكان منهج المحدثين بذلك أقوى وأحكم وأعظم حيطة من أي منهج في تمحيص الروايات والمستندات المكتوبة.

5 - أن البحث عن الإسناد لم ينتظر مائتي سنة كما وقع في كلام الزاعم، بل فتش الصحابة عن الإسناد منذ العهد الأول حين وقعت الفتنة سنة 35 هجرية لصيانة الحديث من الدس، وضرب المسلمون للعالم المثل الفريد في التفتيش عن الأسانيد، حيث رحلوا إلى شتى الآفاق بحثاً عنها واختباراً لرواة الحديث، حتى اعتبرت الرحلة شرطاً أساسياً لتكوين المحدث.

6 - أن المحدثين لم يغفلوا عما اقترفه الوضاعون وأهل البدع والمذاهب السياسية من الاختلاق في الحديث، بل بادروا لمحاربة ذلك باتباع الوسائل العلمية الكافلة لصيانة السنة، فوضعوا القيود والضوابط لرواية المبتدع وبيان أسباب الوضع وعلامات الحديث الموضوع.

7 - أن هذا التنوع الكثير للحديث ليس بسبب أحواله من حيث القبول أو الرد فقط، بل إنه يتناول إضافة إلى ذلك أبحاث رواته وأسانيده ومتونه، وهو دليل على عمق نظر المحدثين ودقة بحثهم، فإن مما يستدل به على دقة العلم وإحكام أهله له تقاسيمه وتنويعاته، بل لا يُعد علماً ما ليس فيه تقسيم أقسام وتنويع أنواع؟ ! ! .

8 - أن علماء الحديث قد أفردوا لكل نوع من الحديث وعلومه كتباً تجمع أفراد هذا النوع من أحاديث أو أسانيد أو رجال، فلا يصلح بعد هذا أن يقول قائل:  كيف نعرف هذا الحديث أنه صحيح من بين تلك الأنواع؟

ونحن نقول له:  كذلك وقع التنوع في كل علم وكل فن، فلو قال إنسان:  كيف نحكم على هذا المرض بأنه كذا وأنواع الأمراض تعد بالمئات؟ ، وكيف نبين هذا المركب الكيمائي من بين المركبات التي تعد بالآلاف؟

لأحلناه على الخبراء المتخصصين ليأخذ منهم الجواب الشافي والحل المقنع، فكما يرجع في الطب إلى الأطباء، وفي الهندسة إلى المهندسين، وفي الكيمياء إلى علمائها، والصيدلة إلى أصحابها. . . . فكذلك يُرْجَع في الحديث إلى علمائه المتخصصين في هذا العلم لأخذ البيان الجلي المدعم بالأدلة القاطعة عن كل حديث نريده ونود معرفة حاله.

فظهر بذلك تهافت هذه الشبهة وبعدها عن الموضوعية والمنهجية.

الكاتب: د. نورالدين عتر بتصرف   

المصدر: موقع إسلام ويب